"- هه...عايزين نفكر، إزاى منبقاش Border؟ إزاى نبقى Bridge؟" هكذا إختتم كلامه منتظراً منا نقاش. السؤال فى حد ذاته لم يثير إنتباه أحد بينما استرعى إنتباهى Border ثم Bridge إضافة إلى أمثالها من الكلمات التى لم يخلو منها حديث المتكلم فنسيت جوهر النقاش لتظهر على وجهى إبتسامة بلهاء مخذاها بعض النقد ثم السخرية.
العربيزية...ذلك الخليط الذى استحدثه المتحدثون بالعربية ليعلنوا عن أن إبداعهم لم ينتهى بعد. ففى ظل لغة يخجل أصحابها منها، يضطرون كثيراً إلى الهرب بعيداً ليثبتوا أنهم غير منتمين لها. كان ذلك عن قصد أو لم يكن، فالأمر فى النهاية يوصلنا إلى نتيجة واحدة جوهرية واضحة وضوح الشمس، أن العربية وحدها أصبحت شئ بغيض و غير مريح فى استخدامه.
العربيزية فى حد ذاتها ليست بالأمر الجديد علينا و ليست باللغة المستحدثة، فعلى ما أتذكر أن حكى لى أحد أقربائنا أنه إذ كان فى المرحلة الإبتدائية قد دخل إليهم مدرس الـEnglish حاملاً كراسات الـDictation و قد وُضعت جميعها فى جانب بينما بقت واحدة منفردة فى الجانب الآخر من مكتبه، هكذا و قد صاح المدرس باسم "قريبنا"...
- شوف يابنى، أنا قريت كتير و شفت ياما، لكن اللى إنت كاتبه ده لغة جديدة عليا...
كان الفتى قد كتب إنجليزيته الخاصة مستخدماً حروف عربية (آى جو تو سكوول باى باص)، إضافة إلى أن هذه اللغة المستحدثة لم تخلو من الأخطاء الإملائية (حسب قواعدها الخاصة). جدير بالذكر أن الرجل لم يكمل تعليمه و اكتفى بالإبتدائية...
العربيزى له أشكال و صور، بل و قد استطاع مع الوقت أن يوجد لنفسه قواعد و أصول. فمن متحدثى العربيزى (و هم الأقل علماً) من يستخدمون حروف عربية تعبيراً عما قد عجزوا أن يعبروا عنه بلغته؛ مثال هذا ما قد نجده على اللافتات (توم آند جيرى لملابس الأطفال...هونى موون بيوتى سنتر...إلخ). هؤلاء و قد بلغ بهم العجز اللغوى وسط مجتمع يطالبهم بالمزيد، يحاولون عبثاً إقناع الزبائن بشئ ما...ما هو؟ لست أدرى. لكنهم فى النهاية ينجحون فى إضافة لمسة الشياكة حين لا يستطيع الحاج أو الحاجّة أن يفسروا ما قد كُتب على إحدى واجهات محلات روكسى...فيدركون أنه بالتأكيد "حاجة نضيفة". كذلك فيمكننا إضافة بعض صغار السن من الأدباء الذين يحاولون التواصل مع أبناء جيلهم فيروى أحدهم عن قصة حب دارت فى "كافيه سيلانترو" أو تراهم يكتبون عن أهمية "البلوج" فى الإبداع الفنى.
للعربيزى أيضاً رواد من طبقة أعلى من سابقتها، هؤلاء هم من يكتبون العربيزى من الشمال لليمين، فى الـChatting أو الـe-mails الخاصة بهم. هؤلاء، هم الذين لم يفهمهم أحد من المستويات الأعلى و الأدنى منهم. فهم لا يكتبون ذلك مرغمين (كصاحب محل توم آند جيرى) و لا يفعلون ذلك عن جهل بشئ ما. هى "تناكة" أو "وجاهة مصتنعة" أو رفض و كراهية للغة فى سبيل الوصول للغة أخرى، لم يصلوا لها بعد و إلا كانوا استخدموها بدلاً من عربيزيتهم.
فئة أعلى بقليل (علمياً) و هم لا يفرقون كثيراً عن سابقيهم بل و بالكاد هم نفس الفئة، هم من يلطعون الفاظاً "جميلة قدر الإمكان" بين كلماتهم. و إياك أن تنخدع بكل من استخدم ألفاظاً كهذه، فيوجد البعض (القليل) الذين سوف تسمعهم يلجأون إلى (already) أو (you know)...جملة آه و جملة لأ. هؤلاء أصلاً تبع الفئة الأولى و قد جاءوا هنا بالغلط. لكن أبناء الفئة الأصليين (و نتحدث عن المتصنعين فقط) تجد لهم نصف الدماغ يفكر فيما يقول، بينما النصف الآخر يبحث فى القاموس عن أول كلمة يمكنه ترجمتها إلى لغة أخرى ليبادر فيستبدل بها الكلمة العربية. المهم أن البعض من هؤلاء (و لهم الحق فى هذا) يفسرون الأمر بأن هكذا أعرف هذا الشئ (بهذه اللغة...بهذا الفظ). رأيى الشخصى جداً، أن الحجة لا تساند قائلها فى رأيه، لأن التعود يأتى لسبب من إثنين، إما محاولة التعود على اللفظ فى الماضى (هكذا يكون الأمر قد بدأ بتصنع)، أو قد يكون بالفعل لا يعلم لفظتها باللغة التى يتحدث بها الآن و هكذا يكون جاهلاً بها.
عن فئة أخرى من العربيزيين نتحدث الآن، و هم من مثقفى Channel 2، هذا مجرد لقب عبثى لا ينم عن الحقيقة. فى الواقع، يتكلمون...
I told him..but, you know...he's careless, ya3ni mesh ba7ess enno akhedha serious
حتى و إن لم يذكروا فى العبارة كلمة عربى، فسوف تجد "ya3ni" حتى تكاد لا تلاحظها...يمكن ملاحظة الأمر بالسماع المتأنى للمتصلين علىNile FM.
العربيزى فى مبدأه ليس بدعة، فاللغة "القبطية" ذاتها كانت عربيزى زمانها. ذلك لأن تعريف اللغة القبطية هو الديموطيقة القديمة بحروف يونانية، و الآن هذه هى اللغة التى تنادى بها الكنيسة كلغة أصيلة لها. أكاد أقول أن اللغات جميعها فى بدايتها كانت خلطة إلى أن خرج لنا من اللاتينة لغات...و من الألمانية لغات...إلخ
العربيزى فقط يبدو و كأنه بلا مستقبل، لذلك فلن نعتبره يوماً ما لغة، هو شئ مشوه و لا يعبر سوى عن بعض الصفات الغير مقبولة (بالنسبة لى)...و هذا لا ينفى أبداً إستخدامى للعربيزى كثيراً (جداً).
فى نهاية الموضوع...من العربيزى ما هو "قانونى" أو مقبول فى عُرف المنطق. ذلك كالعربيزى الناتج عن ضعف اللغة، فليس فى العربية (mp3 أو FM)، هذا ضعف لا مفر من الإعتراف به فليس للمتحدثين بالعربية إنتاج علمى كى يستطيعوا فرض الترجمة إلى تلك اللغة أو فرض التعلم بها. كذلك فعربيزى يوسف شاهين، هو عربيزى جميل، ذلك الذى يعتمد فى تنوع اللغات على مبدأ "اللفظ الأقوى يكسب"، فلم نسمع الحديث فى (اليوم السادس) مثلاً ما بين الفرنسية و العربية إلا لأن يوسف شاهين وجد اللغة هنا أكثر تعبيراً، أعتقد أن هذا خليط يمكن قبوله أو اعتباره "قانونى" إن صح التعبير.
العربيزى، موضوع اتفتح فى دماغى فطلعت شوية الكلام ده، ليس دفاعاً عن اللغة العربية مثلاً أو مناداةً بأنه علينا الإلتزام بها لأنها لغة أصيلة لنا، فأنا أرفض تماماً الإرتباط بلغة ما على أنها مصدر لهويتى لأن هويتى هى "أنا" بأى لغة أستخدمها، حتى فكر الكنيسة الأرثوذكسية بأن تُبقى على كم من الموروثات قبطية اللغة حتى الآن فهذا أنا ضده (ما علينا)...إذن فالأمر كله يرتبط فى ذهنى بالخلطة التى لا تحترم التفكير ذاته و التى مع الأسف أستخدمها أيضاً. كذلك فلم أبنى رأيى على شئ ما، لكن الفضل فى إثارة الأمر نفسه ربما يعود إلى فيلم وثائقى بنفس الإسم (عربيزى)...المقطع الأول (الوحيد الموجود عالـyoutube):
هناك تعليقان (٢):
انا برضة كتير بسئل نفسى اية اللى يخلى الكنيسة مهتمية بالقبطى كل الإهتمام دة على حساب الناس؟
يعنى فى شباب كتير جدا بيبعدوا عن الكنيسة لانهم مش بيقدروا يتابعوا الصلاة فى القداس بسبب ان جزء عربى و جزء قبطى ثم قبطى ثم عربى ثم قبطى ...... حاجة تدوخ ، ممكن نقول عليها على رأيك عربطى (عربى على قبطى يعنى )
هل المهم هو اللغة ولا الإيمان باى لغة كانت؟
لية ميبقاش فى قداس عربى كامل؟و نلغى بقى القداديس القبطى دى لان معظم المسيحيين مبيعرفوش قبطى و فى نفس الوقت حلم إحياء لغة ماتت من مئات السنين هو وهم كبير
رأيى إن المشكلة دى ممكن تكون الخوف من تغيير "التقليد الكنسى". الكنيسة نفسها بتعلمنا إن اللغة ملهاش دخل و الدليل محاولتها التواصل مع كل اللغات بترجمة القداس و "الأجبية". لكن الإبقاء على حاجات بالقبطى ده (و ده أى الكنيسة)، يربط الشخص بأصل الكنيسة القبطية...و لأنه هدف غير واصل للناس، متهيألى إنه محتاج إعادة نظر...
إرسال تعليق