من سنة تقريباً، حصل و أن كنا (شوية مصريين) فى ألمانيا و تعرفنا على واحد طالب ألمانى...جملة فى التانية إكتشفنا أن الأخ ترك المدينة التى تربى فيها و ترك أهله و عاش فى مدينة بعيدة ليلتحق بالجامعة هناك ليدرس مجال محدد فى إحدى كليات الجامعة المذكورة. و جملة فى التانية إكتشفنا نحن (شوية المصريين) أن الأخ قد جاء فى ظل هذه الظروف ليدرس (هندسة معالجة الصرف). أه...هو ده!! معالجة صرف.
كان البديهى و المتوقع أن نتبادل بعض كلمات السخرية، معالجة صرف مين يابنى؟؟ و جابها إزاى دى؟؟ و منين خطرت على باله الفكرة؟؟ و إن خطرت على باله الفكرة، منين خطرت الفكرة على دكاترة فى جامعة محترمة إنه يكون عندها مبنى عريق يخصصون مدرجاته و كل ما فيه ليكون تحت إسم (هندسة معالجة الصرف)!؟
القيمة، كما نفهمها، هى ما يضيفه الشخص لذاته و لمن حوله. و القيمة، هى الأمر الذى لم نتربى عليه!
هل المشكلة، مشكلة مجتمع مادى، أو مجتمع فقير، أو مجتمع سطحى. فى النهاية نحن لم و لا و ربما لن نبحث عن القيمة فى أفعالنا. فقد آثرنا البحث عن القيمة بالشكل المناسب لنا. لهذا علمنى أبويا أن القيمة التى كان و أظنه ما زال يتوقعها أن أكون "الأول" على الفصل، و قال لى فى ظل عملية تربيتى التى طالت...أن عدم طلوعى "الأول" ستكون عنده هى "قلة القيمة". و قال لنا أحد الأساتذة (الألمان) فى جامعتنا المصرية، أن المصريين هم تقريباً الوحيدون الذين يحصلون على الدرجات النهائية بهذه الكثافة. و هنا نكتشف أنها لم تكن مشكلة أبى فهى عقدة جماعة من البشر يبحثون جميعاً عن الكمال.
لذلك إعترف لى صديقى العزيز (شادى) اللى بيذاكر لإمتحانات الإعدادية هذه الأيام أن والدته دائماً فرحانة بيه، و عمرها ما وبخته على عدم المذاكرة و عمرها ما وبخته على درجاته الوحشة، هذا لأن شادى هو الأول على مدرسته. و قد إعترف لى شادى أن مدرسته كلها من فئة الحشاشين و شباب الأرصفة، لهذا فشادى مبسوط و مامته مبسوطة لأنه الأول...هذه هى القيمة التى تمنوها و هذه هى القيمة التى حصلوا عليها.
و هو المنطق الذى تولد فى أذهاننا من زمان و ما زال ينتشر، فيبحث كل طالب فى الثانوية العامة عن (أكبر) مجموع حتى أصبحت نص مصر من أصحاب المجاميع الكبيرة، ثم يبحث كل شاب عن (أهم) كلية، حتى أصبحت مصر عمرانه بكليات القمة، ثم بعد أن حصل كل خريج على (أكبر) مجموع و دخل (أهم) كلية و حصل على (أعلى) شهادة...يبحث عن أهم وظيفة، فلا تجد أى موظف فى هذه البلد إلا و يطلع مدير...و مهما كانت ضغر حجم إدارته إلا أنه لازم و فى النهاية يكون مدير. هذا لأن القيمة التى فهمناها تحتم عليه أن يكون مديراً.
يكبر المفهوم و يعم على أبناء المجتمع كلهم، فنُغنى مصر (أم) الدنيا و نهلل بالرئيس (أب) كل الأشقاء العرب و نطبل للنادى الأهلى (أعظم) نادى للقرن الـ20. ثم يخرج فقهاؤنا ليمجدوا الجامع الأزهر (أعرق) دار للدراسات الإسلامية، أو نظل نهاتى لأن الكنيسة القبطية هى (أكثر) كنيسة دافعت عن الإيمان.
هذه القيمة، أو لعلنا نقول هذا الشكل الذى لا يخلو من ألفاظ التعظيم و التفخيم هو ما لا يجعلنا نفهم لماذا يدرس هذا الشاب فى مجال هندسة معالجة الصرف مثلاً، فأى (أعظم) أو أى (أكبر) سينال بحصوله على هذه الشهادة؟ و هذا المنطق الذى نسير به، هو ما لا يجعلنا نفهم لماذا يترك رجل ما عرش بلاده لأجل إمرأة أحبها، و لماذا يتنازل عالِم ما بشهرته ليعيش فى أحراش إفريقية، و لماذا يتنازل كاتبٌ ما عن جائزة بملايين الدولارات لأن مبدأ صاحب الجائزة يتعارض مع مبادئه.
هذه هى القيمة، و هى فى حد ذاتها تعريف. هى ما يخرج عن حدود الغنى أو الشهرة أو البراعة. هى ما يميز الأحياء عن آخرين لا يميزهم سوى أسمائهم. هذه هى القيمة التى تجعلك تكتشف فلان من داخله. أما الأخرى فتقف فيها حدود تعريف الإنسان عند لقب، أو ثروة، أو شكل...بلا قيمة.
...يتبع
هناك تعليقان (٢):
مستنى الباقى و بسررررررررررررررررعة
eih el 7alawa dee ya aroosh,enaka la rased lel mota3'ayerat fel ensan el masrii...estamer i am your #1 FAN :D
إرسال تعليق