الثلاثاء، ٢٥ مايو ٢٠١٠

الشكل و المضمون (2)


فإتفق كل الآباء و الأمهات فى مجتمعنا على أن كل مَن فيهم يرغب و بقوة فى أن يكون إبنه أو بنته هم أفضل الناس أو لنقل أفضل من كل الناس، و لهذا بكى أحمد ذكى المصوراتى فى فيلم (إضحك الصورة تطلع حلوة) حين خاطب إبنته منى ذكى: "يا بنتى، كل واحد نفسه أبوه يبقى أحسن الناس، و كل أب نفسه إن إبنه يبقى أحسن الناس...و أنا مش أحسن الناس و صعب إنى أبقى أحسن الناس...لكن سهل قوى أخليكى أحسن الناس".

هذه النشأة التى إعتمدت على إيمان راسخ بأنه فى إمكان كل أب أن يجعل من إبنه أحسن الناس، تحتاج منا إلى بعض الدراسة و التحليل.

أولاً، لأن هذه النشأة جعلت مجتمعنا أشبه بماراثون لا ينتهى، و لا يعرف الأفراد فيه متى ينتهون من سباقهم. الجميع يسعى لكسب المزيد، سواء كان هذا المزيد مادياً كالمال أو الشهرة أو النفوذ أو أمور مشروعة كإنشاء مشاريع خيرية مثلاً. المهم فى كل الحالات أننا أصبحنا لا نملك أى تعريف لما نريد أن نصل إليه، نحن نشأنا على مفهوم الأحسن و الأفضل و نظل نجرى فى الماراثون اللا نهائى بلا هدف سوى أن نصل للأفضل الذى عادةً لا نصل إليه.

و قد يكون هذا هو السبب فى الفساد المنتشر فى بلدنا مثلاً لأن صاحب النفوذ و الذى وصل لأعلى مراتب النفوذ لم يشعر بأنه وصل لهدفه فبدأ فى السعى إلى المال، و صاحب السلطة و بعد أن وصل إلى أعلى مناصب السلطة لم يشعر بعد أنه وصل إلى هدفه فبدأ يبحث عن الإستزاده بالمال مثلاً أو لم يكتفى بالسلطة فقط فطالب بالسلطة الأبدية! حتى رجالنا الشرفاء و المدافعين عن الحق، فقليلاً ما تجد شخصاً يعلم بالضبط ما يريده سوى أنه كرس حياته للدفاع عن الحق...ليصل إلى أى نهاية؟ لا يعلم.**

متى ينتهى هذا الماراثون إذاً؟ هو لا ينتهى و لا يعلن المتسابقون إنسحابهم إلا عندما تنتهى قدرتهم، حينها تسمعهم يقولون: "أنا كده تممت رسالتى". تسمعها من رجل خرج على المعاش، أو من شخص أخرجوه من السلطة...و أسمعها من أمى حين تشعر بالتعب من إعادة ترتيب الأوضة. فى النهاية لا يعترف أحد بأنه وصل للنهاية إلا حين يُفرض عليه ذلك. هكذا يعيش مجتمعنا...يبحث كل واحد عن شكل ما و لا يبحث عن القيمة. لأنه لو كان يبحث عن القيمة لعرف متى ينتهى دوره، ساعتها كان سيتوقف ليستمتع بالقيمة التى أراد أن يضيفها و قد أضافها، و حينها كنا سنعلم معنى للراحة.

ثانياً، إن أسوأ ما فى هذا الماراثون الطويل، هو أنك لا تتوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين. و هذا فى حد ذاته تحقير لك و للآخرين. و هو السبب الذى يعود إليه كل هذه الكراهية التى إنتشرت و ما زالت تنتشر فى مجتمعنا. لأن الجميع بلا إستثناء يضعون أنفسهم و كل من حولهم فى جدول مقارنة. و قد خلق هذا لدينا نوع من الهوس لأننا نقارن أشياء لا تمت لبعض بصلة و نقارن أشخاص هم أبعد ما يكونون عن بعضهم. فتجد البعض يرشح أحمد زويل رئيساً للجمهورية، أو تسمع أحدهم يصلى...يا رب أنصر مصر فى كاس الأمم، حاجة تهون عننا أزمة رغيف العيش !!

ثالثاً، أصبحت من نتائج هذه النشأة، أو هذا المفهوم السائد بأن البراعة و التقدم هو فى أن تكون أفضل من الأخرين. أصبحت من نتائجها أننا نلجأ كثيراً جداً إلى تشويه الحقيقة كى تكون مُرضية لنا. فضحكوا مثلاً على الرئيس جمال عبد الناصر و أقنعوه بأن برج القاهرة هو الأطول فى العالم و إقتنع الرئيس و صفقت الجماهير لأطول برج فى العالم (و هى بالطبع لا تمت للحقيقة بصلة)، دون أن يتساءلوا للحظة ما قيمة أن يكون لديك أطول برج فى العالم؟؟ فالبعض يشيد المبانى العملاقة لهدف سياحى أو ثقافى أو أو...لكن يوم إفتتاح البرج كانت السعادة الغامرة فقط لأننا لدينا أطول برج فى العالم. و أذكر أيضاً منذ سنوات و أنا فاتح القناة الأولى و الراجل ماشى بجانب رئيسنا المبارك بالميكروفون الطويييل ده و نطق و قال "و مدينة الإنتاج الإعلامى يا ريس هى الأكبر فى الشرق الأوسط..." سكت قليلاً حين لم يرى أى إندهاش على الوجوه فقال "...و فى العالم يا سيادة الريس". و لا يقف تشويه الحقائق عند الريس، فالناس فى مجتمعنا عادةً ما يشوهون الحقائق لترضية أنفسهم...و الأمثلة كتير جداً !!

قد تحتلف الأمور، و قد تُحل كثير من المشاكل إذا إختلفت طريقة تقييمنا للحياة، و إذا أصبحت قيمة الفعل فى مدى قدرة هذا الفعل على التغيير. سواء كان هذا التغيير فى مجتمع المحيط أو فى نفس الشخص ذاته. و قد أجد حياتى أكثر بهجة، أكثر راحة و الأهم أنه سيكون لحياتى معنى أهم و أقيم إذا ما أصبح المضمون بديلاً للشكل.

لا أظن أنه توجد بقية :)


** مثال على ذلك هو ما نراه فى المعارضة المصرية مثلاً، لا أحد يعلم أى حل لمشكلتنا الحالية سوى بالوصول إلى رأس السلم. فيظل المجتمع يطالب محمد البرادعى بإجابة:"هترشح نفسك وللا لأ؟" و يظل هو يردد أنه لا يسعى للرئاسة و لا يجد الحل فى الرئاسة بل فى مفاهيم الناس. و بعد أن يطول شرحه و توضيحه...تجد السؤال يخرج ثانيةً إلى السطح و يعيد الناس مناقشاتهم الساخنة: "يعنى هيرشح نفسه وللا لأ؟". هذا لأننا لا ندرك أن قد يكون هناك أهداف أخرى تختلف عن أن يكون شخصاً ما رئيساً للجمهورية.

هناك تعليق واحد:

Markos يقول...

rabena yostorrr ......la5bately tafkery f el7ayah .... 7lwa awy ya 7abiby