كنت قد سلمت النية بأن أجلس فى البيت شأنى شأن كل من أعرفهم تقريباً، مشاهداً ما يحدث، منتظراً ما قد تُسفر عنه الأحداث و ردود الأفعال بين متظاهرين باءوا أن يرحلوا قبل رحيل الرئيس، و رئيس رفض إلا أن يصمد صامتاً بعد أن اتخذ قراره بالرحيل فى موعد حدده هو، ثم دخل إلى مكتبه و لم نراه. تباينت ردود أفعال المصريين، من بينهم فئة (و هى غالبية المتعلمين) رأت أن الحكمة تقتضى أن يتريث المتظاهرون و يرحلوا عن الميدان كيما تعود الحياة إلى سابق عهدها، ثم نبدأ حواراً بين المعارضة (ليكونوا الحكماء أو الأحزاب...إلخ) من جهة و السلطة مُمثلة فى نائب الرئيس من جهة لتعديل الدستور و تفنيد الإنتخابات المزورة. الآن و على ما يبدو أن الأمور قد أوشكت على الرجوع إلى سابق عهدها، أظن أن الأمر (بالنسبة لى على الأقل) يفوق ما يظهر لنا من مكاسب أو هزائم.
أولاً، من غير المنصف تماماً أن نرضى بأن يكمل الرئيس مبارك فترته الحالية من أجل ما أظهره من رجولة و صمود فى خطابه الأخير، و أنه على استعداد للبقاء فى خدمة الوطن حتى تستقر الأوضاع لتنتقل السلطة سلمياً لآخر، من غير المنصف أن ينحنى الشعب أمام حسنى مبارك إحتراماً له على خدمة الوطن لـ30 سنة مضت، فها شباب كانوا على استعداد لقيادة الوطن لـ50 سنة أخرى قد ماتوا برصاص الداخلية فى الميدان. من غير المنصف أيضاً أن نُخون كل الموجودين على أرض مصر، فلا نطمئن لنية أى شخص مهما كان، داخل النظام أو خارجه أو ضد النظام...فعلى ما يبدو أن الشعور بالفساد المحيط بنا قد أعمانا عن رؤية الشريف من المتآمر.
الحق يقتضى بأن يُقال، أن وجود الرئيس مبارك فى السلطة خلال الأشهر المقبلة هو فى الغالب فعل نبيل، حتى و إن لم يكن فهو فى مصلحة الوطن حتى لا نخسر ما تبقى من ثقة المستثمرين فى مصر، و نضمن عدم عبث الفاسدين من رجال الحزب الوطنى بمصر، حتى نضمن أفضل تسليم متاح للسلطة. لكن، و رغم هذه الأفكار و ما يزيد معها مما لا نعلمه قطعاً من شئون السياسة التى لا يدرك كيفية إدارتها إلا الموجودين فى السلطة الآن، و هو ما يتحكم بقوة فى اقتصاد و استقرار مصر...رغم كل ذلك، أرى أنه من الضرورى جداً أن يرحل الرئيس مبارك الآن من السلطة، و ألا يكون هذا الرحيل هو رحيل زعيم ضحى، بل رحيل موظف أدى مهمةٍ ما و هو مطروح لمحاسبة الجهة الشريفة المتبقية، القضاء، كيما يحدد القضاء فقط تبرئة أو إدانة هذا الموظف...حينها نقرر أو يقرر التاريخ ما يجب من الفعل تجاهه.
لماذا يرحل، و لماذا الآن؟ يرحل، لأنه و فيما نحن نقوم بثورتنا، اكتشفنا خلال أيام (و كنا عالمين) أن الفساد فى وطننا ليس رأساً تُقتطف فيُمحى الفساد. ما اكتشفناه هو أن هذا الفساد الذى استمر فى الانتشار لسنوات قد تغلغل طوال تلك الفترة الطويلة حتى صار، ليس فقط فى فئة من رموز السلطة، ليس فقط فى فئة من موظفى الدولة و رجال الأعمال، ليس فقط فى الآخر!! لقد اكتشفنا و نحن نحارب الفساد أن الفساد قد أكلناه فى وسط أطعمتنا و تنفسناه دون قصد منا، و اكتشفنا فى ثورتنا هذه أن الفساد فينا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق